يبدو ان ما يجري في لبنان يتوازى لناحية وجه الشبه مع ما يحصل في العراق من نواحي متعددة لناحية انطلاقة معركة تحرير الموصل من تنظيم «داعش» التي بدأت بوتيرة عالية لناحية تقدم القوات المحررة والذي اصاب المراقبين بالذهول وبدا المشهد ينتظر سقوط «دولة داعش» خلال ساعات، لكن المشهد تبدل بانتظار خارطة طريق للقوى المسلحة المشاركة والتي تتنوع لناحية المذاهب والانتماءات فضلاً عن المعضلة التركية وفق مصادر متابعة لمسار الاحداث.
وتضيف هذه المصادر ان الساحة اللبنانية التي كانت دائماً تستولد حلول ازماتها من الرعاة الدوليين والاقليميين، لا بد ان تكون للاحداث التي تجري في سوريا والعراق واليمن انعكاساتها على اللاعبين المحليين في لبنان نتيجة التحالفات والاحلاف الجديدة التي خلطت اوراق اللعبة في الشرق الاوسط فباتوا كاوراق الشجر التي تتساقط مع بداية الخريف فتعصف الرياح وتتقاذفها يميناً وشمالاً بحيث لا يكاد قسم منها يتموضع في مكان ما حتى تضربه الرياح مرة اخرى وتبعثره لتتكون مجموعات اخرى , لاسيما وان الجميع بانتظار ما تؤول اليه نتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية.
وانطلاقاً مما ورد ترى هذه المصادر ان الضباب مازال يلف المشهد الشرق اوسطي، ولم ينته اللاعبون الدوليون من رسم لوحة الفسيفساء الطائفية والمذهبية والعرقية، ولكن رغم ذلك فان تغيرات عديدة كان لها تأثيراً واضحاً على الساحة اللبنانية التي كانت تعيش على وقع المراوحة المستمرة والفراغ الرئاسي من اكثر من 28 شهراً، الا ان عودة الرئيس سعد العريري الى لبنان كانت مؤشراً لخارطة طريق لم يتبين الى الآن «الطوبوغرافي» الذي رسمها ولكن يبدو في المحصلة اننا ربما سنكون في بداية الخروج من نفق الفراغ الرئاسي.
وتلفت المصادر الى ضرورة الاسراع في الخطوات، لانها ربما ستكون المهلة الاخيرة لعودة الروح الى شرايين الجمهورية، فالرئيس سعد الحريري الذي وجد نفسه محاصراً مالياً وسياسياً وشعبياً بعد خروج بعض «المستقبليين» من تحت عباءته، اثر تبنيه ترشيح النائب سليمان فرنجية توجته لقاءات بدأت منذ حزيران 2015 والتي رأى العديد من السياسيين انها لم تتم بمباركة سعودية او رعاية فرنسية , انما نتيجة ادراك الحريري ان المملكة العربية السعودية لم تعد الرافعة له من الناحية السياسية والمالية، لاسيما وان البرودة اعترت العلاقات السعودية الاميركية على اثر الاتفاق الاميركي الايراني العدو التاريخي للملكة والذي تتواجه معه على ارض اليمن وفي عدة بلدان وبالطبع للبنان الحصة الاكبر، وهي التي ترزح تحت عبء اقتصادي كبير يتمثل ب100 مليار دولار دين و18 مليار دولار سندات خزينة تنتظر «الشاري».
وتلفت المصادر الى ان زيارة الحريري للسعودية لها دلالاتها لناحية الاستئناس بالدور السعودي الذي بدأ يشعر باضمحلال دوره بسبب عدم نجاحه في حسم الامور لصالحه في العديد من الازمات وابرزها اليمن والحرب السورية، الامر الذي دفعهاالى عدم تضييق الخناق على الحلول في لبنان الذي بات المنفذ الوحيد لاستعادة البعض من «هيبتها»، لاسيما وان معظم الدول الخليجية بدأت تتململ من القبضة السعودية وبدأت تتفلت منها.
وتتابع المصادر ان ترشيح فرنجية لم يكن مجرد «ورقة» لعبها الحريري، انما كانت على قدر كبير من الجدية، الا ان عدم التنسيق مع مكونات عديدة لاسيما الحليفة كـ«القوات اللبنانية» التي ارتبطت مع الجنرال ميشال عون بـ«اعلان نوايا» وبالطبع المكون الشيعي الذي رحب بداية بالترشيح بشكل ضمني، الا ان رئيس «تيار المردة» انطلق في رحلته الى القصر الجمهوري برفقة الحريري دون غيره، الامر الذي دفع ببعض اللاعبين المحلييين الى كشف بعض مضامين الاتفاق بين الرجلين والتي اتت العناوين الكبيرة كالرصاص الحارق لناحية ثبات موقع رئاسة الحكومة للحريري طيلة العهد الرئاسي لفرنجية وغيرها من الامور دون «اخذ المشورة» من حلفائه في 8 آذار على سلة مطالب الفريق بكامله.
وتلفت المصادر الى ان الحريري قد التقط كلمة السر من خلال مراجعته لعدة محطات دولية ومحلية ومنها ما حصل مع الرئيس صدام حسين الذي دفع الى شن الحرب على الكويت ولكن الامر ارتد عليه سياسياً وجسدياً، كما ان تجربة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، مازالت ماثلة امامه، وهو الذي رفع شعار «الاخوان المسلمين» وتبرع باسقاط الرئيس بشار الاسد، والانضمام الى الحلف الاميركي، الا ان هذا الامر لم يؤت بثمار جيدة، بل تعرض الى نوع من «اختبار» دفعه رمي اوراقه في الحضن الروسي، ولذلك وفق المصادر، كانت زيارة الحريري لروسيا «الوزنة» التي رجحت كفة ميزان الحريري لناحية تبني ترشيح الجنرال ميشال عون رسمياً، ولعل تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لناحية حرية الحريري في الخيار، ساهم في اضاءة طريق الاخير من قريطم الى الرابية، لكن الطريق من بيت الوسط الى عين التينة مقطوعة، وكذلك الامر بين الاخيرة والرابية، رغم ان الجنرال عون قد قام بتفكيك معظم الالغام التي زرعت على طريق وصوله الى «قصر الشعب» ومنها التفاهم مع «القوات اللبنانية» والحوار مع الحريري الذي صافح العماد عون، لكن رئيس مجلس النواب نبيه بري لن يسمح بأن يكون «مجرد صندوقة بريد» بل شريكاً اساسياً للوصول الى الاجماع الوطني، ولهذا السبب عبر «ابو مصطفى» عن حنقه من عودة الثنائية المارونية السنية والتي لم يعد لها دور في المنطق السياسي السائد اليوم وبالطبع، فان «حزب الله» وفى بالتزامه تجاه تبني ترشيح العماد عون لموقع رئاسة الجمهورية الا ان هذا الامر لن يفسد في الود قضية مع بري وهو يتفهم هواجسه، سيما وان الجنرال عون كان قد وضع «فيتو» على ترؤس بري للمجلس النيابي عام 2005.
وانطلاقا من كل ذلك ترى المصادر ان الوقت قد حان بالنسبة لبري لقطاف ثمرة الموافقة على ترشيح الجنرال ضمن شروط لا تتعلق بالحقائب انما بسلة ترتبط مكوناتها بخطةعمل الحكومة في مفاصل اساسية كانت وما زالت موضوع خلافات حادة بين «التيار الوطني الحر» بشكل عام، من هنا لا بد من لقاء يجمع الجنرال عون بسيد عين التينة قبل ان تسقط اوراق روزنامة شهر تشرين الاول
وهذا ما حصل ولكن دون ان يؤدي اي نتيجة.
ولفتت المصادرايضاً الى ان «فيتو» الرئيس بري ليس العقبة الوحيدة بل هناك ما بعد الحقائب وهي المعضلة المتكررة والملازمة لصياغة البيان الوزاري لناحية تبنيه عبارة «الجيش والشعب والمقاومة»، فان تم تجاوز عقبة تمثيل «حزب الله» في الحكومة وجلوسهم مع الحريري على طاولة واحدة فهناك تجربة سابقة لجأ اليها الحزب عن طريق توزير اشخاص غير حزبيين لكن خطهم السياسي «مقاوم»، وربما يكون حل العبارة التي ذكرت سابقاً يكون بتبني فقرات البيانات الوزارية السابقة مع صياغة ملطفة للمضمون.
اما فيما يتعلق بالاصوات المعترضة على ترشيح الحريري للجنرال عون والتي معظمها «ازرق الهوى والانتماء» فهذا الامر سيكون له تأثير فاعل على صعيد «البيت المستقبلي» الذي سيتخلص من بعض الاحمال التي كانت تثقل كاهله وكانت لها اليد الطولى في اغراقه سياسياً ومادياً ومعنوياً.
الا ان المصادر تلفت الى ضرورة التريث في اعلان النتائج فهناك صندوقة اقتراع «قلم المختارة» الذي لن يبقى عالقاً بين سندان عين التينة ومطرقة الرابية، فمن يقرأ تصريح الوزير غازي العريضي اثر خروجه من عين التينة الذي اكد على العلاقة الاستراتيجية مع الرئيس بري لافتاً الى ان الاخير يتفهم خصوصيتهم، هذه الرسالة وفق المصادر لمضمونها «حمالة اوجه» فزعيم المختارة لم يحزم امره الى الآن ولعل تغريدته الاخيرة «يبدو ان الزهر يقول درجي. ومن هو الرابع؟ لم ترد على لسان «البيك الاحمر» سهوا، فهو على ما يبدو يمتلك ورقة لم يرمها بعد في وجه اللاعبين والتي سيكشف فيها الاسم الرابع الذي سيكون موقع الرئاسة الاولى من نصيبه .
لكن الامور تبقى رهناً بالامتار القليلة قبل الوصول في 31 تشرين الاول، خصوصاً ان هواجس «التيار الوطني الحر» لا تزال تقلق اصحاب الخبرة داخل تيارهم وهم الذين لم يتوقفوا عن ترداد عبارة لا «تقول فول لا يصير بالمكيول» وهؤلاء لم يطمئنوا لتغريدات وليد جنبلاط المتدحرجة وتحديداً الاخيرة التي تشابكت الغازها وباتت عصية على فك طلاسمها «فالدرجي» والرابع وسائر الكلمات التي وردت في «التويتر» الخاص بالزعيم الدرزي لا بد ان تكون وضعت علامات استفهام، وفي التفاصيل والهواجس بأن شيئاً ما يحضر في الخفاء، وهذا ما يعطي اشارة الى اسباب عدم لقاء القطب المسيحي مع القطب الدرزي، فهل بدأ خبراء «التيار» يستشعرون هدف جنبلاط من اعادة الاضاءة على اسم المرشح هنري الحلو باعتباره الرابع المرتجى في لائحة جنبلاط النائمة، لاسيما وان لبيبه في السياسة بري ينتظر على «الكوع» وهو الخبير في الطبخات الرئاسية، وكذلك النواب المستقلين المسيحيين والنائب طلال ارسلان المرتاب من علاقة الوزير وئام وهاب المتنامية مع الرابية ويكاد يؤكد انه سيكون له حصة وزارية في عهد الجنرال عون الميمون.
واكدت المصادر ان الحالة هذه تنطبق ايضاً على نواب حزب البعث والحزب القومي بعدما اوغل الجنرال بحلفه الجديد مع معراب، وبالطبع سيجد «المتمردون المستقبليون» «الحج خلاص» وبذلك ينضمون الى «حركة الرفض» يداً بيد مع «حزب الكتائب اللبنانية» الذي يسعى الى انتخاب رئيس من الفئة المحايدة بدلاً من الورقة البيضاء التي لن تغير في النتائج اذا اعتمدت.